لماذا خلق الإنسان ضعيفا ؟؟؟ ....




بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

في القرآن الكريم عدة آيات تشير إلى طبيعة الإنسان.


قال تعالى : 

( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء 28)
( خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء 37)
( إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) (المعارج 19-23)

عدة آيات لا تزيد عن أربع آيات ، تتحدث عن طبيعة الإنسان ، فهذه خصائصُ في خلقه، ليست ذنباً يعزى إليه ، لكن الله هكذا خلقه .




فلماذا خلقه ضعيفاً ؟

لو أن الله عز وجل خلق الإنسان قوياً ، لاستغنى بقوته عن الله، وحينما يستغني بقوته عن الله يشقى باستغنائه .


لماذا خلقه من عجل ؟

قال العلماء : لأنه لو خلقه يحب الآجلة ، واختار الآخرة، وفق طبيعته، لما ارتقى عند الله.




( إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا) (الإنسان 27) 
فالإنسان إذا استجاب إلى طبعه ، وإلى عجلته ، عندئذٍ يعصي ويرتكب الموبقات ، ويعيش كما يقول الوجوديون: ليعِشْ لحظته ، فهو الآن قوي ليستمتع بقوته ، غني ليستمتع بماله . فما دام يعيش، إذاً يتمتع بدون ضوابط ، بدون قيم ، دون مبادئ ، دون افعل ولا تفعل ، دون منهج ، دون دستور ، كالدابة السائمة ، كالدابة الطليقة ، تفعل ما تشاء بدون قيد أو شرط .

أما الإنسان إذا أحكم عقله ، فإني أضرب لكم مثلاً بسيطاً ، لكن له دلالة كبيرة :
حافلة حي، كانت تقف بساحة في أيام الصيف الحارة ، صعد للحافلة راكبٌ ، فوجد على اليمين شمسًا ، وعلى اليسار ظلاً . بحكم طبيعته قعد في الظل على اليسار، فلما انطلقت الحافلة، دارت في الساحة. فخلال دقيقة واحدة ، انعكست الجهة لآخر الخط ، وبقي طيلة الوقت في الشمس.. فالذي يشغِّل فكره يقعد بالشمس ، والذي يستجيب لطبيعة جسمه يقعد في الظل ، لكن بعد دقيقة واحدة عندما تدور الحافلة تنعكس الجهة. فمَن عطل عقله و اختار الظل، تمتع به دقيقة و تحمل أشعة الشمس الحارة عشرين دقيقة.. ومَن أعمل عقله و اختار مقعده تحت الشمس، تحملها دقيقة، ثم راح يتمتع بالظل عشرين دقيقة.. 

إذاً لما فطَرَ ربنا عز وجل الإنسانَ على حبِّ العاجلة مِن أجل أن يرقى إذا جاهدها ، لأنه لو اختار الآجلة لعاكس طبيعة نفسه .


الإنسان له طبع ، وله فطرة ، ولديه تكليف ، والطبع يتناقض مع التكليف غالباً. التكليف أن تصلي الفجر في وقته ، وجسم الإنسان يميل إلى النوم والاسترخاء ، ولا سيما في أيام الشتاء الباردة ، والفراش وثير ، ودافئ.. فطبعك يدعوك إلى النوم ، والتكليف يدعوك إلى الصلاة ، والمؤذن يقول الصلاة خير من النوم.. وطبعك يدعوك إلى إطلاق البصر في النساء ، كي تستمتع بحسنهن ، لكن التكليف يدعوك أن تغض البصر عن محارم الله.. طبعك يدعوك أن تقبض المال ، والتكليف يأمرك أن تنفق المال.. طبعك يدعوك أن تتحدث عن عورات الناس ، عن قصصهم ، عن فضائحهم ، عن سقطاتهم ، عن مشكلاتهم ، عن خصوماتهم ، لماذا طلق فلان فلانة؟ ولماذا تزوج فلانة؟ وما خلفية الموضوع؟ طبعك يدفعك إلى تقصي أخبار الناس ، لكن التكليف يقول لك (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) ( الحجرات 12) و ( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه)..


الملاحظ إذاً أن الطبع يختلف مع التكليف ، لماذا؟

من أجل أن ترقى. لو توافق الطبع مع التكليف لارتقى أبداً ، والتغت العبادة ، والتغت الجنة ، ولم يعُد هناك ثواب ولا عقاب.
(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعات 40 ـ 41)فالإنسان لا يطمع أن يكون التكليف موافقًا للطبع ، يطمع أن يجد الدين مثل ما يريد تمامًا ، يريد من الدين أن يُسمَح فيه بكذا ، وكذا ، وكذا ، يأخذ ما فيه راحته ، ويتصيد الرخص .


ولو كان أمر الله في ظاهره فيه تكليف ، وكلفة ، وجهد.لكن الإنسان إذا طبق أمر الله عز وجل وعاكس هواه ، في النهاية ترتاح نفسه ، لأن هذا الكمال الذي حصله ، وتلك الطمأنينة التي اكتسبها ، هذه غذاء الفطرة . 


لذلك قال تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ( الروم 30) 

التكليف لا يتوافق مع الطبع، و لكنه يتوافق مع الفطرة.

إذاً من ينشد السعادة الحقيقية ، فعليه بتطبيق أمر الله عز وجل..

في النفس فراغ لا يملؤه المال، و لا القوة، و لا الدرجات العلمية العالية.. لا تملؤه الأسرة الناجحة... في بالنفس فراغ لا يملؤه إلا الإيمان. من دون إيمان يعيش الإنسان في قلق، والدليل ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه 124) 
أما لو أنّ الإنسان استقام على أمر الله فالحياة الطيبة هانئة، قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ( النحل 97) 

والله أيها الإخوة؛ لزوال الكون أهونُ على الله من ألاّ تتحقق وعوده ووعيده بأي عصر ومصر، وبأي وقت، من أي منبت طبقي أنت ؟ من أي أم وأب ؟ من أي بلدة ؟ من أي مكان ؟ من أي زمان ؟ من أي إمكانيات كنت ؟ حينما تستقيم على أمر الله ، فلك من الله حياة طيبة.. وأي إنسان مهما كان قوياً ، مهما كان غنياً ، مهما كان جباراً ، إذا أعرض عن الله عز وجل فإن له معيشة ضنكا . 


والله أيها الإخوة ؛ لو لم يكن في القرآن الكريم إلا هاتان الآيتان لكفتانا :


( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ( النحل 97)
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه 124) 

أمّا الآية الثالثة 

( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) ( الجاثية 21)

أَيُعامَل المؤمن من الله كما يعامل الكافر ؟ في بيته ، في عمله ، في صحته ، في زوجته ، في أولاده ، في طمأنينته ، في سعادته ، في إقباله ، في إشراق نفسه ، في تفاؤله في المستقبل... تجد شخصًا غنيًا لو أنفق كل يوم مئة ألف لبقي لديه ما يفيض على حياته ، ولو عاش مئة سنة ، ومع ذلك فهو متضايق ، وقلق ، ويقول : السوق مسموم ، ولا نربح ، وما هذه الحياة ، ولا يُعاش في هذا البلد ، ومعه أموال واللهِ لا تأكلها النيران ، ويقابلك مؤمن لا يملك إلا قوت يومه ، ويقول : الحمد لله من أعماقه ، راضيًا بعيشه .

هذه السعادة لها سّر ، السعادة لا تأتي من الخارج ، لا تأتي من بيت واسع ، ولا من زوجة جميلة ، ولا من أموال طائلة ، ولا من بيت بالمصيف ، ولا من مركبة فاخرة..
السعادة تنبع من الداخل ، لما يتجلى ربنا على المؤمن يشعر بالسرور والسعادة.


والحمد لله رب العالمين..


المصدر : من موقع الدكتور محمد راتب النابلسي

تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا
abuiyad