وقفات تأملية في قوله تعالى : إن شانئك هو الأبتر


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله



يقول : ابن القيم في مجموع الفتاوى

- معنى كلمة ( شَانِئَكَ) : أي مبغضك

(
الْأَبْتَرُ
): هوالمقطوع النسل ,الذي لايولد له خير ولا عمل صالح ,فلا يتولد منه عنه خير ولاعمل صالح

و بهذا المعنى فإن الله عز وجل بتر شانىء رسول الله أي مبغضه
بتره من كل خير

فيبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك في الآخرة ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولايتزود فيها صالحاً لمعاده

ويبتر قلبه فلا يعي الخير ولايؤهله لمعرفته ومحبته والإيمان برسله ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة

ويبتره من الأنصارفلا يجد له ناصرًا ولاعونًا ويبتره من جميع القرب و الأعمال الصالحة فلا يذوق لها

طعمًا ولايجد لها حلاوة وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها .
و لكن هل تشتمل الآية على الكفار الذين يبغضون رسول الله صلى الله عليه و سلم وما جاء به كليةً؟

أم أن الآية تشمل أيضًا بعض المسلمين الذين يبغضون بعض ماجاء به النبي صلى الله عليه و سلم ؟!

يكمل الشيخ الكلام السابق فيقول

و هذا جزاء من شنأ بعض ما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم

ورده لأجل هواه أو شيخه

ثم ذكر أمثلة نذكر منها

-أهل السماع الذين يرقصون على سماع الغناء إذا سمعوا القرآن يتلى في مجالسهم

استثقلوه فأي شنئآن أعظم من هذا؟!

و كذلك من آثر كلام الناس على القرآن و السنة حتى إن بعضهم لينسى القرآن بعد حفظه

فلولا أنه شانىء لماجاء به الرسول صلى الله عليه و سلم ما فعل ذلك.
ويتضح من كلام الشيخ أن الأمثلة السابقة التي ورد ذكرها لنماذج من المسلمين

لهم نصيب من هذا الإنبتار حسب قدر شنائتهم


لكن الأعظم من هذا كما قال الشيخ هو من شنأ القرآن و رده و جحده و جعله أساطير الأولين

فهؤلاء أعظم انبتارًا

و على هذا يحذر الشيخ فيقول

الحذر الحذر أيها الرجل من أن تكره شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم

أو ترده لأجل هواك أو انتصارًا لمذهبك أو شيخك أو لأجل اشتغالك بالشهوات

فإن الله لن يسئل العبد عن عدم إطاعته للناس و طاعة الناس تكون تبعًا لطاعة الرسول صلى الله عليه و سلم

فاعلم ذلك واسمع وأطع واتبع ولاتبتدع تكن أبتر مردود عليك عملك

و أختم بما ذكره الشيخ من قول أبي بكر بن عياش حين قيل له

إن بالمسجد قومًا يجلسون و يجلس إليهم فقال من جلس للناس جلس الناس إليه ولكن

أهل السنة يموتون ويحيى ذكرهم لأنهم احيوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم

فكان لهم نصيب من قوله تعالى(
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (4) الشرح

و أهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم لأنهم شنئوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم

فكان لهم نصيب من قوله تعالى (
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ
) (3) الكوثر


أقول سبحان الله كم من مواقف مرت أمامنا لأناس هم من المسلمين و لكن قد يقول قائل منهم

أنه لا يحب المتدينين و هذه لا تحب النقاب و هذا لا يحب أصحاب اللحى وهذا عندما يسمع موعظة

يعرض بسمعه غير ذلك من البغض لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم و ربما يظنون أنهم يوجهون كراهيتهم

للأشخاص و لكن في الحقيقة كرههم موجه للدين لأنه لو تغير الناس كما يريدون و تركوا الإستقامة

ربما تغيرت أقوالهم بكراهيتهم.

فيجب تبصرة هؤلاء حتى لا يقعوا في مثل هذه الأمور.

إقرأ المزيد Résuméabuiyad


لو علمتم مافاتكم من الرزق بسبب المعاصي والذنوب لقتلتم أنفسكم حسرات
 
 
 
(لو علمتم مافاتكم من الرزق بسبب المعاصي والذنوب لقتلتم أنفسكم حسرات)


يقول نبينا صلى الله عليه وسلم ( إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) عندما قرأت هذا الحديث تذكرت قول احد المشائخ عندما قال لو علمتم مافاتكم من الرزق بسبب المعاصي والذنوب لقتلتم انفسكم حسرات

فتعال نبحر في روائع ابن القيم الجوزية - رحمه الله - حول أثر الذنوب والمعاصي على الفرد، يقول رحمه الله:
وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة , والمضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه الا الله .


1- فمنها : حرمان العلم , فإن العلم نور يقذفه الله في القلب , والمعصية تطفيء ذلك النور . ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته , وتوقد ذكائه , وكمال فهمه , فقال : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية.
وقال الشافعي: شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال:
اعلم بأن العلم فضلٌ = وفضلُ الله لا يؤتاه عاصِ


2- ومنها حرمان الرزق : ..... وكما أن تقوى الله مجلبة للرزق فترك التقوى مجلبة للفقر , فما استجلب رزق الله بمثل ترك المعاصي .


3- ومنها وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله , لاتوازنها ولاتقارنها لذة أصلاً , ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تَفِ بتلك الوحشة , وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة ........ وما لجرح بميت إيلامُ , فلو لم تترك الذنوب إلا حذراً من وقوع تلك الوحشة , لكان العاقل حرياً بتركها .
وشكى رجل إلى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه , فقال له :
إذا كنت قد أوحشتك الذنوب = فدعها إذا شئت واستأنسِ .


وليس على القلب أمَرُّ من وحشة الذنب على الذنب فالله المستعان .


4- ومنها الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس , ولاسيما أهل الخير منهم , فإنه يجد وحشة بينه وبينهم , وكلما قويت تلك الوحشة بَعُدَ منهم ومن مجالستهم , وحُرِمَ بركة الانتفاع بهم , وقَرُبَ من حزب الشيطان بقدر ما بَعُدَ من حزب الرحمن , وتَقْوَى هذه الوحشة حتى تستحكم , فتقع بينه وبين إمرأته وولده وأقاربه , وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشا من نفسه , وقال بعض السلف إني لأعصي الله فأرى ذلك في خُلُق دابتي وإمرأتي .


5- ومنها تعسير أموره عليه ؛ فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقاً دونه , أو متعسراً عليه ؛ وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا , فمن عَطَّلَ التقوى جعل الله له من أمره عسرا . ويالله العجب ! كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه متعسرة عليه وهو لا يعلم من أين أُتيَ .


6- ومنها ظلمةٌ يجدها في قلبه حقيقة : يُحِسُّ بها كما يُحِسُّ بظلمة الليل البهيم , إذا ادلهم , فتصيرُ ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره , فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة , وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته , حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر , كأعمى أخرج في ظلمة الليل يمشي وحده وتَقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سواداً فيه حتى يراه كل أحد . قال عبد الله بن عباس : إن للحسنة ضياءً في الوجه , ونوراً في القلب وسعة في الرزق , وقوة في البدن , ومحبة في قلوب الخلق , وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب , ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق وبغضة في قلوب الخلق .


7- ومنها ان المعاصي توهن القلب والبدن : أما وهنها للقلب فأمر ظاهر , بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية , وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته من قلبه , وكلما قوى قلبه قوى بدنه ,وأما الفاجر فإنه وإن كان قوى البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه . وتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم , أحوج ما كانوا إليها , وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم .


8- ومنها: حرمان الطاعة ؛ فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أنه يصد عن طاعة تكون بَدَلَه , ويقطع طريق طاعة أخرى , فينقطع عليه بالذنب طريق ثالثة , ثم رابعة وهلم جرا , فتنقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة , كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها , وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان .


9- ومنها: أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولابد , فإن البر كما يزيد في العمر فالفجور يقصر العمر . وقد اختلف الناس في هذا الموضع : فقالت طائفة : نقصان عمر العاصي هو ذهاب بركة عمره ومحقها عليه . وهذا حق وهو بعض تأثير المعاصي . وقالت طائفة : بل ينقص حقيقة , كما ينقص الرزق فجعل الله سبحانه للبركة في الرزق أسبابا كثيرة تكثره وتزيده , وللبركة في العمر أسبابا تكثره وتزيده . قالوا ولا تمنع زيادة العمر بأسباب كما ينقص بأسباب - فالأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة والصحة والسقم والمرض والغنى والفقر وإن كانت بقضاء الله عز و جل فهو يقضي ما يشاء بأسباب جعلها موجبة لمسبباتها مقتضية لها . وقالت طائفة أخرى : تأثير المعاصي في محق العمر إنما هو بأن تفوته حقيقة الحياة , وهي حياة القلب . ولهذا جعل الله سبحانه الكافر ميتا غير حي , كما قال تعالى ( أمواتٌ غيرُ أحياء ) النحل 12 – فالحياة في الحقيقة حياة القلب وعمر الإنسان مدة حياته , فليس عمره إلا أوقات حياته بالله , فتلك ساعات عمره , فالبر والتقوى والطاعة تزيد في هذه الأوقات التي هي حقيقة عمره ولا عمر له سواها . وبالجملة فالعبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غِبَّ ( ثمرة ) إضاعتها يوم يقول ( يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) [الفجر: 24] – فلا يخلوا إما أن يكون له مع ذلك تطلع إلى مصالحه الدنيوية والأخروية أو لا ؟ فإن لم يكن له تطلع إلى ذلك فقد ضاع عليه عمره كله , وذهبت حياته باطلاً , وإن كان له تطلع إلى ذلك طالت عليه الطريق بسبب العوائق , وتعسرت عليه أسباب الخير بحسب اشتغاله بأضدادها , وذلك نقصان حقيقي من عمره . وسر المسألة أن عمر الانسان مدة حياته ولا حيوة له إلا باقباله على ربه والتنعم بحبه وذكره وإيثار مرضاته.


10- منها أن المعاصي تزرع أمثالها وتولد بعضها بعضا ؛ حتى يَعٌزُّ على العبد مفارقتها والخروج منها , كما قال بعض السلف : أن من عقوبة السيئة السيئة بعدها , وأن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها , فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جنبها اعملني أيضا فإذا عملها قالت الثانية كذلك وهلم جرا , فتضاعف الربح وتزايدت الحسنات ؛ وكذلك جانب السيئات أيضا ,حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة , وصفات لازمة , وملكاتٍ ثابتة , فلو عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت , وأحسَّ من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء حتى يعاودها , فتسكن نفسه وتقر عينه . ولو عطل المجرم المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاق صدره وأعيت عليه مذاهبه , حتى يعاودها , حتى أن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها , ولا داعية إليها , إلا لما يجد من الألم بمفارقتها كما صرح بذلك شيخ القوم الحسن بن هانيء حيث يقول:
وكأس شربت على لذة = وأخرى تداويت منها بها


وقال الآخر:
وكانت دوائي وهي دائي بعينه = كما يتداوى شارب الخمر بالخمر


ولا يزال العبد يعاني الطاعة ويألفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه برحمته عليه الملائكة تأزُّهُ إليها أزّاً , وتحرضه عليها ,وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها . ولا يزال يألف المعاصي ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله عليه الشياطين فتأزُّهُ إليها أزّاًً , فالأول قوَّى جند الطاعة بالمدد , فصاروا من أكبر أعوانه , وهذا قوَّى جند المعصية بالمدد , فكانوا أعوانا عليه.


سئل ابن تيمية: أيهما أنفع للعبد الاستغفار أم التسبيح؟!
فقال: إذا كان الثوب نقيا فالبخور وماء الورد أنفع و إن كان الثوب دنسا فالصابون و الماء أنفع فالتسبيح بخور الأصفياء و الإستغفار صابون العصاة

المصر المجلس العلمي
إقرأ المزيد Résuméabuiyad

 

الزوار

free counters

المتواجدون الآن